الشهيد البطل مصطفى بن بولعيد شـــخــصـــية ثـوريــــة ذات أبـــعـاد إنـــســـانـــيـة
تشاء الأقدار أن يكون مارس شهر إستشهاد أبطال ورموز الثورة الذين لا يمكن تعويضهم، أمثال العربي بن مهيدي، مصطفى بن بولعيد، العقيد لطفي والعقيد عميروش وسي الحواس، كما أنه شهر النصر على الاستعمار الفرنسي
هم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، منهم الشخصية الثورية الملقب بأسد الأوراس، الشهيد مصطفى بن بولعيد القائد العسكري الذي أثبت جدارته في مواجهة الاستعمار الفرنسي. هو قائد سياسي يحسن التخطيط والتنظيم والتعبئة يملك رؤية واضحة لأهدافه ولأبعاد قضيته وعدالتها، كان يتحلى بالانسانية إلى جانب تمرسه في القيادة العسكرية والسياسية. كان مدركا لشمولية الصراع ولأبعاد المعركة ضد العدو الاستعماري.
ولد بن بولعيد بتاريخ 5 فيفري1917، في قرية إينركب بأريس. إلتحق بالكتاب لتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم في أريس ثم انتقل به أبوه إلى باتنة وأدخله المدرسة الفرنسية، وواصل بها دراسته حتى وصل إلى مستوى شهادة الأهلية، ثم أوقفه أبوه عن مواصلة التعليم الفرنسي وانتقل به إلى قرية «أفره» بين عين الطين وأريس، ليمارس التجارة، بسبب العراقيل التي كانت الإدارة الإستعمارية تضعها أمام التلاميذ والطلبة الجزائريين وتحرمهم من مواصلة الدراسة.
استدعي بن بولعيد للتجنيد القسري أواخر 1938 لأداء الخدمة العسكرية الإجبارية المفروضة على كل الشبان الجزائريين حيث اقتيد إلى مدينة سطيف ورقي إلى رتبة رقيب وبقي في القوات الفرنسية إلى غاية 1940.
انخرط الشهيد في حزب حركة إنتصار الحريات الديمقراطية، الذي أنشأه حزب الشعب المنحل في أكتوبر 1946، ليشارك بواسطته في الإنتخابات المقبلة وعندما أنشأ المنظمة الخاصة في منتصف فيفري 1947 خلال مؤتمره الأول عين على رأسها المرحوم محمد بلوزداد، الذي اختار الشهيد العربي بن مهيدي وعينه على رأس جهازها في الجنوب الشرقي، وفي الأوراس عين عبد القادر العمودي، ثم لما نقل إلى بسكرة عين بن بولعيد مكانه في الأوراس، فأسس عدة خلايا للمنظمة وجند لها عددا من المناضلين الذين تكفلوا بجمع الأسلحة وصنع القنابل والمتفجرات.
في مارس 1950 انكشف أمر المنظمة الخاصة واضطر الذين لم يقعوا في أيدي الشرطة أن يعتصموا في المخابئ، ونظرا لحصانة جبال الأوراس وعدم انكشاف سر المنظمة بها توجه إلى هناك عدد من مناضلي بلاد القبائل، فاستقبلهم بن بولعيد وأسكنهم في مزرعة بأسلاف وقرية بولفرايس وكلف من يدربهم على استعمال الأسلحة وصيانتها.
نظرا للمكانة التي يحظى بها بن بولعيد فقد أسندت إليه بالإجماع رئاسة اللقاء الذي انجر عنه تقسيم البلاد إلى خمس مناطق وعين على كل منطقة مسؤول وقد عين مصطفى بن بولعيد على رأس المنطقة الأولى: الأوراس كما كان أحد أعضاء لجنة «الستة» «بوضياف، ديدوش، بن بولعيد، بيطاط، بن مهيدي، كريم». ومن أجل توفير كل شروط النجاح والاستمرارية للثورة المزمع تفجيرها، تنقل بن بولعيد رفقة: ديدوش مراد، محمد بوضياف ومحمد العربي بن مهيدي، إلى سويسرا خلال شهر جويلية 1954 بغية ربط الاتصال بأعضاء الوفد الخارجي «بن بلة، خيضر وآيت أحمد» لتبليغهم بنتائج اجتماع مجموعة 22 من جهة وتكليفهم بمهمة الإشراف على الدعاية لصالح الثورة.
مع اقتراب الموعد المحدد لتفجير الثورة تكثفت نشاطات بن بولعيد من أجل ضبط كل كبيرة وصغيرة، بحيث تنقل بن بولعيد إلى ميلة بمعية كل من محمد بوضياف وديدوش مراد للاجتماع في ضيعة تابعة لعائلة بن طوبال وذلك في سبتمبر 1954 بغرض متابعة النتائج المتوصل إليها في التحضير الجاد لإعلان الثورة المسلحة ودراسة احتياجات كل منطقة من عتاد الحرب كأسلحة والذخيرة. وفي 10 أكتوبر 1954 التقى بن بولعيد، كريم بلقاسم ورابح بيطاط في منزل مراد بوقشورة بالرايس حميدو وأثناء هذا الاجتماع تم الاتفاق على:
– إعلان الثورة المسلحة باسم جبهة التحرير الوطني.
– إعداد مشروع بيان أول نوفمبر 1954.
– تحديد يوم 22 أكتوبر 1954 موعدا لاجتماع مجموعة الستة لمراجعة مشروع بيان أول نوفمبر وإقراره.
– تحديد منتصف، ليلة الإثنين، أول نوفمبر 1954، موعدا لانطلاق الثورة المسلحة.
أعتقل بن بولعيد في 11 فيفري 1955، وفي 3 مارس 1955 قدم للمحكمة العسكرية الفرنسية بتونس التي أصدرت يوم 28 ماي 1955 حكما بالأشغال الشاقة المؤبدة، بعدها نقل إلى قسنطينة لتعاد محاكمته من جديد أمام المحكمة العسكرية في 21 جوان 1955 وبعد محاكمة مهزلة أصدرت الحكم عليه بالإعدام، ونقل إلى سجن الكدية الحصين، وفي السجن خاض بن بولعيد نضالا مريرا مع الإدارة لتعامل مساجين الثورة معاملة السجناء السياسيين وأسرى الحرب بما تنص عليه القوانين الدولية.
نتيجة تلك النضالات ومنها الإضراب عن الطعام مدة 14 يوما، ومراسلة رئيس الجمهورية الفرنسية تم نزع القيود والسلاسل التي كانت تكبل المجاهدين داخل زنزاناتهم وتم السماح لهم بالخروج صباحا ومساء إلى فناء السجن. وفي هذه المرحلة واصل بن بولعيد مهمته النضالية بالرفع من معنويات المجاهدين ومحاربة الضعف واليأس من جهة والتفكير الجدي في الهروب من جهة ثانية، وبعد تفكير متمعن تم التوصل إلى فكرة الهروب عن طريق حفر نفق يصلها بمخزن من البناء الاصطناعي وبوسائل جد بدائية شرع الرفاق في عملية الحفر التي دامت 28 يوما كاملا، وقد عرفت عملية الحفر صعوبات عدة.
تمكن من الفرار من هذا السجن الحصين والمرعب كل من مصطفى بن بولعيد، محمد العيفة، الطاهر الزبيري، لخضر مشري، علي حفطاوي، إبراهيم طايبي، رشيد أحمد بوشمال، حمادي كرومة، محمد بزيان، سليمان زايدي وحسين عريف، وبعد مسيرة شاقة على الأقدام الحافية المتورمة والبطون الجائعة وصلوا إلى مراكز الثورة.
في طريق العودة إلى مقر قيادته انتقل إلى كيمل حيث عقد سلسلة من اللقاءات مع إطارات الثورة ومسؤوليها بالناحية، كما قام بجولة تفقدية إلى العديد من الأقسام للوقوف على الوضعية النظامية والعسكرية بالمنطقة الأولى «الأوراس».
تخلل هذه الجولة إشراف بن بولعيد على قيادة بعض أفواج جيش التحرير الوطني التي خاضت معارك ضارية ضد قوات العدو وأهمها: معركة إيفري البلح يوم 13-01-1956 ودامت يومين كاملين والثانية وقعت بجبل أحمر خدو يوم 18-01-1956، وقد أحدث فراره من سجن قسنطينة ضجة كبيرة في أوساط الجيش والإدارة الإستعمارية، وحضر جاك سوستيل الوالي العام بنفسه إلى مدينة قسنطينة للإطلاع على ظروف هروبه وأسبابه.
خلال إجتماعاته بوادي عطاف علم بحصول خلافات بين المجاهدين في ناحية سوق أهراس، وأرسل في الحين العيفة محمد وعبد الوهاب عثماني لإصلاح ذات البين وانتقل هو إلى الجبل الأزرق وترأس إجتماعا لإطارات المنطقة الغربية في تافرنت يومي 22 و23 مارس 1956، وخلال الإجتماع أحضر له أحد المجاهدين مذياعا ملغما عثر عليه في الغابة صحبة عدد من الرسائل بثتها مصالح الإستخبارات الفرنسية، فوضعه على جانب ومنع على أي أحد أن يلمسه أو يدير أحد أزراره، وبعد نهاية الإجتماع يوم 23 مارس 1956، وعلى الساعة السابعة والنصف، لمس مصطفى بن بولعيد أحد أزرار المذياع فانفجر عليه، وعلى أحد عشر من رفاقه، انتثرت أشلاؤهم في كل مكان وبهذا تنتهي مسيرة البطل مصطفى بن بولعيد.
المصدر: ملخص مقال ل س. بوعموشة المنشور في جريدة الشعب يوم 23/03/2019.